
نواصل سلسلة مقدمات الكتب ونتوقف اليوم مع كتاب “من الإرشاد إلى التربية.. تاريخ نقدي لوزارة الثقافة المصرية” للدكتور. محمد محمود عبد العال الحسن. ماذا يقول في المقدمة؟
مقدمة:
“… حضور كالغياب.” هكذا وصف أحد رؤساء الهيئة العامة لقصور الثقافة السابقين أزمة إحدى أهم المؤسسات الثقافية في تاريخ مصر الثقافي. ويحدث صراع غامض في تلك الازدواجية بين الحضور الغامض والغياب شبه الملموس. وبما أنها تصل إلى أدنى مستوى إداري في الدولة المصرية وتتفاعل بشكل مباشر مع المجتمع وتحاول تقديم الخدمات الثقافية لهم، فإنها تعبر عن جانب من علاقة الدولة بالمجتمع في مصر المعاصرة. والهيئة بفروعها في المناطق والمحافظات والمراكز والبلدات، ليست امتداداً للحكومة ومؤسساتها وتصوراتها فحسب، بل تمثل مرايا تظهر الحالة المتذبذبة للتنمية الثقافية المحلية. وهذا يعني أنه لا يمكننا إهمال دراسة السلطة عند التعامل مع الثقافة الرسمية المصرية.
إن ازدواجية الحضور والغياب تزيد من جدلية الواقع الذي تعيشه المنظمة وما مرت به من تحولات وتغيرات وإصلاحات وتقلبات، خاصة في الفترة الانتقالية. وتمثل هذه الازدواجية أحد التناقضات التي تعيشها المؤسسة، و ولذلك تحظى الدراسة بأهمية كبيرة.
وإذا كان الحضور يتطلب اختفاء الغياب، وهو ما لم يتحقق بعد، فإن هذه الدراسة، المستمدة من البحث النظري والميداني، ترى أن التفسير الرئيسي لذلك هو “الترتيبات المؤسسية” التي تعمل الهيئة وتعمل في ظلها، إذ أنها تعمقت. فهمنا لكيفية وصول المؤسسة إلى وضعها الحالي. ويجيب على سؤال: إلى أين تتجه المؤسسة غدا؟ وليس من المستغرب أن تشكل الترتيبات المؤسسية عاملاً أساسياً في تشكيل هوية المؤسسات وتوجيه أدائها. ولذلك سنحاول الخوض في أعماق المؤسسة لنستكشف الحضور المؤسسي وأبعاده وامتداداته وإشكالياته وواقعه. ويبحث في الغياب المؤسسي وأسبابه وعواقبه. وهو ما دفع البعض إلى التساؤل: هل هو الحضور المادي والغياب المعنوي، أم بمعنى آخر «كفاءة بلا فاعلية»؟
- مسلسل الحشاشين.. ماذا جاء في رواية صلاح الدين عن أصل الفرقة المارقة؟
- مؤتمر اللغة العربية علوم وآداب وعلاقات إنسانية باتحاد كتاب مصر
- كاتبة هندية حاصلة على البوكر تصدر مذكراتها عن علاقتها المعقدة بوالدتها
هناك ارتباط على المستوى النظري المجرد بين أشكال “الترتيبات المؤسسية” وعملية الفعل الثقافي والاجتماعي، كما تشير إليه عدد من الكتابات. تأثير حجم وتعقيد مؤسسات الدولة على التنمية الثقافية ومدى دورها التدخلي سواء من خلال المعوقات أو الحوافز، فضلا عن العامل الأخير وهو قدرات مؤسسات الدولة.
- الحلقة 12 من الكبير أوى.. ما العود الأندلسى؟
- "الشعر الجاهلي" ليس وحده.. كتب لطه حسين أعادت التفكير في التراث
- انطلاق معرض كاريكاتير "لا لزواج القاصرات" لأول مرة في دمنهور
تحظى مسألة مشاركة الدولة في الشؤون الثقافية باهتمام متزايد. منذ أن تولت الدولة شؤون العمل الثقافي، بدأت الإدارة تظهر كعامل مؤثر فيه، ولكنها تتشكل حسب طبيعته واحتياجاته. فهو فن له خصائصه وطبيعته الخاصة بصياغة أساليب مبتكرة تساعده على تحقيق أهدافه. ومن الدول المتدخلة مصر، من خلال وزارة الثقافة والهيئات التابعة لها.
- صدور الطبعة الثانية من كتاب "ناحوم أفندي" لـ سهير عبد الحميد
- انطلاق معرض كاريكاتير "لا لزواج القاصرات" لأول مرة في دمنهور
- "الشعر الجاهلي" ليس وحده.. كتب لطه حسين أعادت التفكير في التراث
إرشادات للتعليم” src=”https://img.youm7.com/ArticleImgs/2024/6/19/144681-from-guidance-to-education.jfif” style=”width: 550px; height: 777px;” title=”من التوجيه إلى التعليم”>
من التوجيه إلى التعليم
يرى البعض أنها منذ إنشاء وزارة الثقافة والعمل الثقافي المصرية أصبحت مسؤولية الدولة، لذا فإن فكرة أنها خدمة عامة تحتكرها هيئات الإدارة العامة وليست صناعة لها قواعد ومعايير ومتطلبات لا. وسادت الأدوات. إلا أن قواعد “صناعة الثقافة” تدعونا إلى النظر إلى ما يسمى “الاقتصاد السياسي للثقافة”. واكتساب القوة وامتلاك المجتمع والسيطرة عليه ووعيه. إن مجرد النظر إلى الثقافة باعتبارها “حرفة خالصة” يثير تساؤلات حول: تسليع الثقافة وماديتها واستهلاكها المبتذل والاختزالي وفق تصورات مالية وبعيدة عن بوصلة الإبداع الفني الحقيقي.
الأمر الآخر أنه رغم تغير دور الدولة سياسيا والتحول من «نظام الحزب الواحد» إلى «التعددية المحدودة» واقتصاديا من «الاشتراكية» إلى نظام «السوق المفتوحة»، فإن ذلك لم ينعكس. في المؤسسات الثقافية، مع استمرار الدولة في الإمساك بزمام العمل الثقافي، مما دفع البعض إلى تسميته بـ”تأميم الثقافة” بمشاركة متواضعة من القطاع الخاص أو مؤسسات المجتمع المدني أو غيرها من الفاعلين الثقافيين.
- مسلسل الحشاشين.. ماذا جاء في رواية صلاح الدين عن أصل الفرقة المارقة؟
- صدور الطبعة الثانية من كتاب "ناحوم أفندي" لـ سهير عبد الحميد
- مؤتمر اللغة العربية علوم وآداب وعلاقات إنسانية باتحاد كتاب مصر
وهو ما يطرح مسألة إعادة تنظيم العمل الثقافي باعتباره مسكناً يوفر مساحة للإنتاج الثقافي ويسهل أساليب نشره ونشره بما يحقق مختلف الأهداف الحكومية لتشكيل المجال الثقافي والاجتماعي العام. إن انخراط الدولة في المشهد الثقافي يشكل تحدياً معقداً يتطلب دراسة متأنية.
- انطلاق معرض كاريكاتير "لا لزواج القاصرات" لأول مرة في دمنهور
- صدور الطبعة الثانية من كتاب "ناحوم أفندي" لـ سهير عبد الحميد
- كاتبة هندية حاصلة على البوكر تصدر مذكراتها عن علاقتها المعقدة بوالدتها
ما هو الدور الثقافي الذي يمكن أن تلعبه الدولة في القرن الحادي والعشرين؟ كيف تعاملت التوجهات الأيديولوجية للدولة بعد عام 1952 مع الوضع الثقافي للمجتمع في مصر؟ هل من الممكن تجاوز صيغة “الإدارة الثقافية للدولة/الأبوية” إلى نهج أكثر “تعاونيًا وتفاعليًا” مع المواطنين؟ هذه أسئلة يطرحها بعض الباحثين.
- اكتشاف بقايا بشرية من عصور ما قبل التاريخ بالقرب من مكسيكو سيتي
- كاتبة هندية حاصلة على البوكر تصدر مذكراتها عن علاقتها المعقدة بوالدتها
وإذا كانت أشكال السيطرة الهرمية في “الإدارة الثقافية الحكومية/الأبوية” في وقت ما مناسبة، حسب البعض، فإنها أصبحت كذلك في ظل أشكال التدفق الثقافي العالمي، وضعف الإنجازات الثقافية التجارية وتقنيات الثورة الصناعية الرابعة، أقل ملاءمة للتعامل مع التحديات الهيكلية التي تواجه القطاع الثقافي المصري.
خلال التطور التاريخي للتكوين المؤسسي الثقافي المصري، أو ما يمكن وصفه بـ “بيروقراطية الثقافة” – والتي ستلقي بظلالها على حالة التطور الثقافي – فقد اشتملت على بيئة تتميز بالعديد من المتغيرات المتأثرة. وذلك بعوامل منها العملية الانتقالية والتغيير السياسي والمطالب الاجتماعية والثقافية، وتحديداً خلال فترة الدراسة من (2009)، والتي سنركز فيها على الأبعاد المؤسسية للسلطة الثقافية التي أثرت في صياغة السياسات الثقافية. وتنفيذها.
إن البيئة التي نشأت فيها وزارة الثقافة وبقية الهيئات الثقافية التابعة لها تشكل عاملاً أساسياً في الشكل الذي اتخذته الوزارة وهيئاتها حتى الآن. وأقصد بالبيئة الظروف التاريخية والسياسية والاقتصادية والدولية والاجتماعية والتي انطلقت فيها الوزارة وانعكست في الترتيبات الإدارية وفي علاقات القوة والهيمنة والسلطة داخلها. ولما كانت العلاقات البيئية المؤسسية، أو التنظيمية البيئية، تتميز بالديناميكية الشديدة والحركة المستمرة، فإن لها دوراً في فرض القيود أو إتاحة الفرص لأنشطة وفعالية العمل الثقافي. وإلى أي مدى مثلت الظروف التي أحاطت بإنشاء الوزارة عاملاً مستمراً في التأثير عليها، خاصة خلال الفترة الانتقالية؟
- كاتبة هندية حاصلة على البوكر تصدر مذكراتها عن علاقتها المعقدة بوالدتها
- "الشعر الجاهلي" ليس وحده.. كتب لطه حسين أعادت التفكير في التراث
وسنتحدث بإيجاز عن وزارة الثقافة منذ إنشائها كسلاح تنظيمي في العهد الناصري – لبناء المجتمع العربي القومي الاشتراكي – حتى العقود الأخيرة. يسلط الكتاب الضوء على بعض وثائق السياسة الثقافية كمحتوى أيديولوجي وموقف فكري ونتاج واقع يحمل شحنة معرفية وفلسفية، إلا أننا لن نخوض في تحليل النصوص إلى حد انغماسنا فيها. الممارسات المؤسسية للثقافة حتى نصل إلى مرحلة الإرهاق المؤسسي بسبب المتغيرات التي طرأت عليها.
- مؤتمر اللغة العربية علوم وآداب وعلاقات إنسانية باتحاد كتاب مصر
- مسلسل الحشاشين.. ماذا جاء في رواية صلاح الدين عن أصل الفرقة المارقة؟
ثم نحاول الإجابة على سؤال مدى تأثير بنية المؤسسات الثقافية (التشريعية والمالية والفنية والإدارية) على حالة التنمية الثقافية في مصر؟ وكيف ساهم الركود المؤسسي للوزارة ومجموعة من الهيئات التابعة لها -في بعض الأحيان- في حالة الثقافة وإفساح المجال لبقايا الثقافة العالمية، ومفاقمة الظواهر السلبية وانتشار مظاهر الابتذال التي تقوض منظومة القيم؟
وتعد الهيئة العامة لقصور الثقافة بفروعها، نواة التنظيم الثقافي الرسمي، حتى أنها وصلت إلى مكانة وصفها البعض بـ”الوزارة في الحقيقة”. وباعتبارها مساعداً ثقافياً للدولة يمتد إلى عمق النسيج الثقافي المحلي، فقد اعتمدت عليه الدولة للمساهمة في تحقيق التنمية الثقافية. مرت السلطة بموجات عديدة وعاشت حقب انتقالية يمكن تتبعها (تقسيمها تاريخيا) إلى ست مراحل متميزة على مدى قرن من الزمان، شملت مرحلتين حاسمتين، بدءا بالميلاد المجتمعي (1908 – 1958) ثم دخلت طريق المأسسة والإدارة الحكومية (1958 – الآن). ولم يكن تقدم الهيئة خلال مرحلة الإدارة الحكومية كما كان عليه الحال في زمن المبادرة المجتمعية.
- الحلقة 12 من الكبير أوى.. ما العود الأندلسى؟
- مؤتمر اللغة العربية علوم وآداب وعلاقات إنسانية باتحاد كتاب مصر
وإذا كانت للمؤسسات دورة حياتها البيولوجية المشابهة لدورة الكائنات الحية، فإن سنوات قليلة فقط مرت على التأسيس الحكومي للهيئة عندما بدأت غيوم الاضطرابات الإدارية تضغط على أفقها المؤسسي. فجمعت مع الإدارة الحكومية بين التأسيس والنمو والموت التنظيمي، ثم النهضة، وتناوبت بين الاندماج مع الأجهزة الأخرى، وإعادة التنظيم، ثم نقل الاعتمادات والمهام، وانتهاء بتحولها إلى هيئة عامة تقوم على مرفق “تتمتع بخاصية خاصة”. الطبيعة والشخصية الاعتبارية. وكأن السابق في هذا التسلسل يؤثر على اللاحق إيجاباً أو سلباً، بالتقليد أو الابتكار.
- اكتشاف بقايا بشرية من عصور ما قبل التاريخ بالقرب من مكسيكو سيتي
- عرض لوحة للفنانة الأمريكية آمى فيليبس للبيع بـ 150 ألف دولار بمزاد عالمى
- كاتبة هندية حاصلة على البوكر تصدر مذكراتها عن علاقتها المعقدة بوالدتها
ويرى الباحث أن الهيئة العامة لقصور الثقافة دانية القطف تتميز بمجموعة من الخصائص التي تميزها عن غيرها من الهيئات الثقافية الحكومية. وكانت هناك ستة دوافع وراء اختيار الباحث للهيئة، مما جعلها متميزة عن غيرها من الهيئات الثقافية الحكومية.
الدافع الأول تاريخي وهو أن الهيئة العامة لقصور الثقافة تعتبر من أقدم المؤسسات الثقافية الحكومية.
- اكتشاف بقايا بشرية من عصور ما قبل التاريخ بالقرب من مكسيكو سيتي
- صدور الطبعة الثانية من كتاب "ناحوم أفندي" لـ سهير عبد الحميد
- مؤتمر اللغة العربية علوم وآداب وعلاقات إنسانية باتحاد كتاب مصر
أما الدافع الثاني فهو موقعها الفريد بين المجتمع والسياسة الثقافية، فهي الممثل الثقافي للدولة في المناطق وما يترتب على ذلك من علاقات متبادلة بين الدولة والمجتمع.
- مسلسل الحشاشين.. ماذا جاء في رواية صلاح الدين عن أصل الفرقة المارقة؟
- الحلقة 12 من الكبير أوى.. ما العود الأندلسى؟
أما الدافع الثالث فهو منتشر، فهو المؤسسة الأكثر تدخلا -مقارنة بأجهزة وزارة الثقافة الأخرى التي يقتصر نشاطها على العاصمة- حيث تمتد فروعها إلى المحافظات والبلدات والمدن والمراكز. بلغ عدد القصور والدور الثقافية عام 2015 أكثر من 550 موقعاً ثقافياً متنوعاً…